دروس العقيدة منوعات سلفية


   إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
(يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ،واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، إن الله كان عليكم رقيباً) . (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ، وقولوا قولاً سديداً ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما) .
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار "
أما بعد: فهذه دروس علمية سنية في أشرف العلوم وأهمها يقوم فيها شيخنا علي الحلبي -حفظه الله- بشرح متن في العقيدة كما حكاها الإمام العلامة حَرْبُ بنُ إسماعيلَ الكِرْمانِيّ صاحب الإمام الربَّانيّ أحمدَ بنِ حنبلَ الشيبانيّ، وهذه الدروس قائمة الآن -ولله الحمد- في مسجد الإمام البخاري في مدينة الزرقاء في الأردن، وهي دروس دورية تقام كل جمعة بعد صلاة المغرب، وسأقوم -بإذن الله- بإضافة هذه الدروس في هذا الموقع كلما أتم شيخنا حفظه الله واحداً منها.
وستكون هذه الدروس عبارة عن ملفات صوتية، وسأضع أسفل كل منها المتن الذي يشرحه الشيخ فيها تتميماً للفائدة.
و إنك واجد -بإذن الله- في هذه الدروس تأصيلاً علمياً سلفياً لمسائل الإيمان وغيرها من المسائل العقدية التي ضلت فيها أفهام الكثيرين، وانحرفت فيها مسالكهم، فهدى الله عز وجل أهل السنة للحق فيها، فكانت كلماتهم -ولله الحمد- متوافقة فيها قديماً وحديثاً، وما أجمل ما قاله أبو المظفر السمعاني: " ومما يدلُّ على أن أهل الحديث هم على الحقّ أنك لو طالعتَ جميع كتبهم المصنَّفة من أوّلهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كل واحد منهم قطراً من الأقطار، وجدتَهم في بيان الاعتقاد على وتيرةٍ واحدةٍ ونمطٍ واحدٍ، يجْرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها، قولُهم في ذلك واحدٌ ونقلُهم واحدٌ، لا ترى بينهم اختلافاً ولا تفرّقاً في شيء ما وإن قلّ، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلب واحد وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبيَن من هذا؟ قال الله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا}.
وأما إذا نظرتَ إلى أهل الأهواء والبدع رأيتَهم متفرِّقين مختلفين أو شِيَعاً وأحزاباً؛ لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقةٍ واحدةٍ في الاعتقاد، يبَدِّع بعضهم بعضاً، بل يَرْتَقُون إلى التكفير؛ يكفِّر الابنُ أباه، والرجلُ أخاه، والجارُ جارَه، تراهم أبداً في تنازعٍ وتباغضٍ واختلافٍ، تنقضي أعمارُهم ولم تَتَّفق كلماتُهم {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ}
" (من "الحجة" لقوّام السنة 2/225)
وأرجو من الله العلي القدير أن يحفظ شيخنا الأثريّ، علياً الحلبيّ، وأن ينفعنا بعلمه، وأن يرد عنه كيد الكائدين، وأن يحفظ مشايخنا وعلماءنا من أمثال شيخنا العلامة صالح الفوزان، والشيخ ربيع المدخلي، والشيخ أحمد النجمي، وغيرهم من العلماء السلفيين، وأن يعينهم فيما هم عليه من الذب عن الكتاب والسنة والعقيدة السلفية، آمين آمين آمين.

وقد بدأ شيخنا بذكر جزء من مقدمة كتاب حادي الأرواح -للعلامة ابن القيم- الذي ذكرت فيه هذه المسائل الجليلة كما حكاها العلامة حرب الكِرْمانيّ، فدونك إياها:

الشريط الأول "أ"
الشريط الأول "ب"

الشريط الثاني "أ"
الشريط الثاني "ب"

قال ابن القيم رحمه الله في كتابه (حادي الأرواح):
الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمَّن الكتاب الذي كتبه: أن رحمته سبقت غضبه؛ دعا عباده إلى دار السلام، فعَمَّهم بالدعوة حُجةً منه عليهم وعدلاً، وخصَّ بالهداية والتوفيق من شاء نعمةً منه وفضلاً؛ فهذا عدله وحكمته، وهو العزيز الحكيم، وذلك فضله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله -وحده لا شريك له- شهادة عبدِه وابن عبدِه وابن أَمَتِه، ومن لا غنى له طَرْفَةَ عَيْنٍ عن فضله ورحمته، ولا مطمع له بالفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخِيرَتُهُ من خلقه، أرسله رحمة للعالمين، وقدوةً للعاملين، ومحجَّةً للسالكين، وحجةً على العباد أجمعين، بعثه للإيمان منادياً، وإلى دار السلام داعياً، وللخليقة هادياً، ولكتابه تالياً، ولمرضاته ساعياً، وبالمعروف آمراً، وعن المنكر ناهياً، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقوم الطرق، وأوضح السُّبُل، وافترض على العباد طاعته، ومحبته، وتعزيره، وتوقيره، والقيام بحقوقه، وسدَّ إلى الجنة جميع الطرق فلم يفتحها لأحدٍ إلا من طريقه، فلو أَتَوْا من كل طريق، واستفتحوا من كل باب، لما فُتِحَ لهم حتى يكونوا خلفَهُ من الداخلين، وعلى منهاجه وطريقته من السالكين.

الشريط الثالث "أ"
الشريط الثالث "ب"

[ أما بعد :
فهذه] جملة مقالات أهل السنة والحديث التي أجمعوا عليها، كما حكاه الأشعري عنهم، ونحن نحكي إجماعهم، كما حكاه حربٌ -صاحب الإمام أحمد- عنهم -بلفظه-، في (مسائله) المشهورة:
(كل ما سيأتي الآن هو من كلام الإمام حرب كما نقله ابن القيم عنه في كتاب "حادي الأرواح")

هذا مذهب أهل العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسّكين بها، المُقتدى بهم فيها من لَدُن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام -وغيرهم-؛ فَمَن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها، أو عاب قائلَها، فهو مخالفٌ مبتدعٌ خارجٌ عن الجماعة، زائلٌ عن منهج السّنّة وطريق الحق.
قال: وهو مذهب أحمد وإسحاقَ بن إبراهيم بن مَخْلَد، وعبدالله بن الزبير الحُمَيدي، وسعيد بن منصور -وغيرهم- ممن جالسْنا وأخذنا عنهم العلم، فكان من قولهم:

الشريط الرابع "أ"
الشريط الرابع "ب"

1- إن الإيمانَ قولٌ وعملٌ ونيةٌ وتمسُّكٌ بالسّنة.
والإيمان يزيد وينقص.

الشريط الخامس "أ"
الشريط الخامس "ب"

2- ويُستثنى منه في الإيمان غير أن يكون الاستثناء شكّاً، إنما هي سنّةٌ ماضية عند العلماء، فإذا سُئل الرجل: أَمُؤمن أنت؟ فإنه يقول: أنا مؤمنٌ إن شاء الله، أوْ: مؤمن أرجو، أو يقول: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله.
3- ومن زعم أن الإيمان قول بلا عمل: فهو مرجئ، ومن زعم أن الإيمانَ هو القولُ، والأعمالَ شرائعُ: فهو مرجئٌ.
4- ومن زعم أنَّ الإيمان يزيد ولا ينقص؛ فقد قال قول المرجئة، ومن لم يَرَ الاستثناء في الإيمان فهو مرجئ.
5- ومن زعم أن إيمانه كإيمان جبريل والملائكة فهو مرجئ، ومن زعم أن المعرفة تقع في القلب وإن لم يتكلّم بها فهو مرجئٌ.

الشريط السادس "أ"
الشريط السادس "ب"

6- والقَدَر خيره وشره، وقليله وكثيره، وظاهره وباطنه، وحلوه ومره، ومحبوبه ومكروهه، وحسنه وسيئه، وأوَّله وآخره من الله - عز وجل - قضاء قضاه على عباده، وقَدَرٌ قدَّره عليهم لا يعدو أحدٌ منهم مشيئةَ الله - عز وجل -، ولا يجاوزُ قضاءه، بل هم كلُّهم صائرون إلى ما خلقهم له، ماقعون فيما قدَّره عليهم، وهو عدل منه - جلَّ ربُّنا وعزَّ -.
7- والزنى والسرقة، وشرب الخمر، وقتل النفس، وأكل المال الحرام، والشرك والمعاصي: كلُّها بقضاء الله وقدر من الله؛ من غير أن يكونَ لأحد من الخلق على الله حُجَّةٌ، بل لله الحُجَّةُ البالغة على خلقه (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُوْنَ)[ الأنبياء: 23].
8- وعِلْمُ الله - عز وجل - ماضِ في خلقه بمشيئة منه، فهو - سبحانه - قد علم من إبليس - ومن غيره ممن عصاه من لدن عصي - تبارك وتعالى - إلى أن تقوم الساعة - المعصيةَ وخَلَقَهم لها:
وعَلِمَ الطاعةَ من أهل الطاعة، وخَلَقَهُم لها، فكلٌّ يعمل لما خُلق له، وصائرٌ إلى ما قُضي عليه، لا يعدو أحدٌ منهم قَدَرَ الله ومشيئتَه، والله الفعّالُ لما يريد.
9- ومن زعم أن الله - سبحانه وتعالى - شاء لعباده الذين عصوه وتكبَّروا الخيرَ والطاعةَ! وأن العباد شاؤوا لأنفسهم الشرَّ والمعصيةَ! فعملوا على مشيئتهم؛ فقد زعم أنَّ مشيئةَ العبادِ أغلبُ من مشيئة الله - تبارك وتعالى -، وأيُّ افتراء على الله أكبر من هذا ؟!
10- ومن زعم أنَّ الزنى ليس بقَدَر! قيل له: أرأيت هذه المرأة حملت من الزنى، وجاءت بولد، هل شاء اللهُ - عز وجل - أن يخلق هذا الولد ؟! وهل مضى في سابق علمه ؟! فإنْ قال: لا؛ فقد زعم أن مع الله خالقاً! وهذا الشرك صُراحاً.
11- ومن زعم أن السرقةَ، وشرْبَ الخمر، وأكْلَ المال الحرام ليس بقضاء! فقد زعم أنَّ هذا الإنسان قادرٌ على أن يأكل رزقَ غيره، وهذا صراحُ قولِ المجوسية، بل أَكَلَ رِزْقَه الذي قضى اللهُ أن يأكلَه من الوجه الذي أكله.
12- ومن زعم أن قتل النفس ليس بقضاء من الله - عز وجل -! فقد زعم أن المقتولَ مات بغير أجله، وأيُّ كُفر أَوْضَحُ من هذا ؟ بل ذلك بقضاء الله - عز وجل -، وذلك عدلٌ منه في خلقه، وتدبيره فيهم، وما جرى من سابق علمه فيهم، وهو العدلُ الحقُّ الذي يفعل ما يريد.
13- ومن أقرَّ بالعِلْمِ لَزِمَهُ الإقرار بالقَدَر والمشيئة على الصِّغر والقماءة.

الشريط السابع "أ"
الشريط السابع "ب"

14- ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار؛ لذنب عمله، ولا لكبيرة أتاها، إلا أن يكون في ذلك حديث جاء.
ولا ننص الشهادة، ولا نشهد لأحد أنه في الجنة بصالح عمله، ولا بخير أتاه إلا أن يكون في ذلك حديثٌ - كما جاء على ما روي - ولا ننص الشهادة.
15- والخلافة من قريش ما بقي من الناس اثنان، وليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها، ولا نخرج عليهم، ولا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة.
16- والجهاد ماض قائم مع الأئمة برّوا أو فجروا، لا يُبْطله جَوْرُ جائرٍ، ولا عدلُ عادلٍ.

الشريط الثامن "أ"
الشريط الثامن "ب"

17- والجمعة والعيدان والحجّ مع السلطان، وإن لم يكونوا بررة عُدولاً أتقياء.
18- والانقياد لمن ولاه الله - عز وجل - أمركم، لا تَنْزعْ يداً من طاعته، ولا تَخْرجْ عليه بسيف، حتى يجعل الله لك فَرَجاً ومخرجاً.
19- ولا تخرج على السلطان، وتسمع وتطيع، ولا تنكث بيعته؛ فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة، وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية؛ فليس لك أن تطيعه البتة، وليس لك أن تخرج عليه، ولا تمنعه حقَّه.
20- والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب لزومها، فإن ابتليت: فقدِّم نفسك دون دينك.
ولا تعن على الفتنة بيد ولا بلسان، ولكن اكفف يدك ولسانك وهواك.
والله المعين.
21- والكفُّ عن أهل القبلة؛ فلا تُكفِّر أحداً منهم بذنب، ولا تُخرجُه من الإسلام بعمل؛ إلا أن يكون في ذلك حديث - كما جاء، وكما روي - فتصدِّقُهُ وتقبلُه وتعلمُ أنه كما رُوي، نحو كفر من يستحل ترك الصلاة، وشرب الخمر، وما أشبه ذلك، أو يبتدع بدعة يُنسَبُ صاحبها إلى الكفر والخروج من الإسلام، فاتَّبعْ ذلك ولا تُجاوزْه.

"مَسَائِلُ حَرْبٍ" مِنْ أَنْفَسِ كُتُبِ الحَنَابِلَةِ.
قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فِيْ "سِيَر أَعْلامِ النُّبَلاءِ"

tarekmasad@hotmail.com